فصل: بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ:

(قَالَ) وَإِذَا أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَقَدْ افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ أَوْ لَمْ تَفْتَتِحْهَا سَقَطَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْهَا أَمَّا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إذَا طَهُرَتْ عِنْدَنَا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَدَّتْ كَانَتْ مُؤَدِّيَةً لِلْفَرْضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إذَا مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ ثُمَّ حَاضَتْ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مُعْتَبَرٌ لِتَقَرُّرِ الْوُجُوبِ فَإِذَا وُجِدَ تَقَرَّرَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ وَقَالَ زُفَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ حِينَ حَاضَتْ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعٌ وَإِنَّمَا يَضِيقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِالتَّفْوِيتِ فَمَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لَمْ تَكُنْ هِيَ مُفَوِّتَةٌ بِالتَّأْخِيرِ شَيْئًا حَتَّى لَا تَكُونَ آثِمَةً مُفْرِطَةً وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ فَهِيَ آثِمَةٌ مُفْرِطَةٌ وَكَانَتْ مُفَوِّتَةً فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتِ فَالصَّلَاةُ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بَلْ هِيَ فِي الْوَقْتِ عَيْنٌ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْأَدَاءُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ فَأَمَّا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَتَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَالْحَيْضُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ مُخَيَّرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمَا لَمْ يَتَقَرَّرْ الْوُجُوبُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَإِذَا اقْتَرَنَ الْحَيْضُ بِوَقْتٍ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فَلَمْ يَتَقَرَّرْ الْوُجُوبُ وَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَقْتَرِنْ الْحَيْضُ بِحَالِ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ فَتَقَرَّرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَفِسَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِالْوِلَادَةِ أَوْ بِإِسْقَاطِ سِقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الرَّجُلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَطَالَ إغْمَاؤُهُ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ تِلْكَ الصَّلَاةِ اخْتِلَافٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ حَاضَتْ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ بَعْدَ مَا افْتَتَحَتْ التَّطَوُّعَ كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إذَا طَهُرَتْ لِأَنَّهَا بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَتْ الْأَدَاءَ فَكَأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ بِالنَّذْرِ وَفِي الْفَرِيضَةِ بِالشُّرُوعِ مَا الْتَزَمَتْ شَيْئًا وَإِنَّمَا شُرِعَتْ لِلْإِسْقَاطِ لَا لِلِالْتِزَامِ فَإِذَا أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ اُلْتُحِقَتْ بِمَا لَوْ لَمْ تُشْرَعْ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ الْتِزَامَ مَا هُوَ لَازِمٌ لَا يَتَحَقَّقُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَدَاءَ فَرِيضَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّذْرِ شَيْءٌ (قَالَ) وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَعَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا تَغْتَسِلُ فِيهِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَانْقَطَعَ الدَّمُ وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ شَيْءٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ هَكَذَا فَسَّرَهُ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَبِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ تَيَقَّنَّا خُرُوجَهَا مِنْ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ لَزِمَهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ تَمَكَّنَتْ فِيهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ أَوْ لَمْ تَتَمَكَّنْ بِمَنْزِلَةِ كَافِرٍ أَسْلَمَ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ صَبِيٌّ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَمُدَّةُ الِاغْتِسَالِ مِنْ جُمْلَةِ حَيْضِهَا عَلَى مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي سَبْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَةَ هَذِهِ الْبَلْوَى لَا تَكَادُ تَرَى الدَّمَ عَلَى الْوَلَاءِ وَلَكِنَّهُ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ لِجَوَازِ أَنْ يُعَاوِدَهَا فَإِذَا اغْتَسَلَتْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا شَرْعًا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ حَيْضِهَا قُلْنَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ فَقَدْ أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْقُرْبَانِ لِلزَّوْجِ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَالِاطِّهَارُ بِالِاغْتِسَالِ.
(وَلَنَا) أَنَّ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ تَيَقَّنَّا خُرُوجَهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَيْضُ لَا وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّاهِرَةَ إذَا كَانَتْ جُنُبًا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا فَكَذَلِكَ هُنَا بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا وَلَوْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَانْقَطَعَ دَمُهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ لِأَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ حَيْضِهَا فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَاءِ فَرْضِ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَكِنَّا نَقُولُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ فَثَبَتَتْ صِفَةُ الطَّهَارَةِ بِهِ شَرْعًا كَمَا ثَبَتَتْ بِالِاغْتِسَالِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ صِفَةِ الْحَيْضِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا (قَالَ) وَإِذَا كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَزَادَ الدَّمُ عَلَيْهَا فَالزِّيَادَةُ دَمُ حَيْضٍ مَعَهَا إلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهَا لَا تَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ تَزْدَادُ تَارَةً وَتَنْقُصُ أُخْرَى بِحَسَبِ اخْتِلَافِ طَبْعِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا جَعَلْنَاهُ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَيْضِ عَلَى الْإِمْكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا بَلَغَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ يُجْعَلُ حَيْضُهَا عَشَرَةً لِلْإِمْكَانِ فَهَذَا كَذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ كَانَ حَيْضُهَا هِيَ الْخَمْسَةَ وَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَتَيَقَّنَّا فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهَا اسْتِحَاضَةٌ وَتَيَقَّنَّا فِي أَيَّامِهَا بِالْحَيْضِ بَقِيَ التَّرَدُّدُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ إنْ أَلْحَقْنَاهُ بِمَا قَبْلَهُ كَانَ حَيْضًا وَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِمَا بَعْدَهُ كَانَ اسْتِحَاضَةً فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ بِالشَّكِّ وَإِلْحَاقُهُ بِمَا بَعْدَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ الِاسْتِحَاضَةُ مُتَّصِلًا بِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا»
(قَالَ) وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَتَقَدَّمَ حَيْضُهَا بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةٍ فَهِيَ حَائِضٌ اعْتِبَارًا لِلْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ وَمَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَالْمُتَقَدِّمُ تَبَعٌ لِأَيَّامِهَا وَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ تَبَعٌ لِمَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا وَرَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَعَ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ فَهِيَ كَالصَّغِيرَةِ جِدًّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَعِنْدَهُمَا الْكُلُّ حَيْضٌ لِوُجُودِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّهُ مَرْئِيٌّ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَبَابُ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ كَمَا قَرَّرْنَا فَأَمَّا إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ وَفِي أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ فَعِنْدَهُمَا الْكُلُّ حَيْضٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ (وَعَنْ) أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ لِأَنَّ مَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا كَانَ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ فَيَسْتَتْبِعُ مَا قَبْلَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إنَّ حَيْضَهَا مَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا دُونَ مَا رَأَتْ قَبْلَهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَالْمُتَقَدِّمُ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّ فِي الْمُتَأَخِّرِ قَدْ صَارَتْ هِيَ حَائِضًا بِمَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا فَبَقِيَتْ صِفَةُ الْحَيْضِ لَهَا بِالْمَرْئِيِّ بَعْدَهُ تَبَعًا وَفِي الْمُتَقَدِّمِ الْحَاجَةُ فِي إثْبَاتِ صِفَةِ الْحَيْضِ لَهَا ابْتِدَاءً وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِالْمُسْتَنْكَرِ الْمَرْئِيِّ قَبْلَ وَقْتِهِ (قَالَ) وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا مُخْتَلِفًا مَرَّةً تَحِيضُ خَمْسَةً وَمَرَّةً سَبْعَةً فَاسْتُحِيضَتْ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ خَمْسَةً بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَتُصَلِّي يَوْمَيْنِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنَّهَا حَائِضٌ فِيهِمَا وَلَوْ كَانَ هَذَا آخِرَ عِدَّتِهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا.
(قَالَ) وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَتَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءَتْ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مِنْ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ فَائِتَةٍ (قَالَ) فَإِنْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا آخَرَ فِي الْوَقْتِ فَعَلَيْهَا إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا تَتَقَدَّرُ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الدَّمِ السَّائِلِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَهِيَ فِيهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَصِحَّاءِ وَكَذَلِكَ إنْ تَوَضَّأَتْ لِلْحَدَثِ أَوَّلًا ثُمَّ سَالَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْأَوَّلَ لَمَّا سَبَقَ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ فَكَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ كَالْمَعْدُومِ (قَالَ) وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةً فَحَاضَتْ سِتَّةً ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى سَبْعَةً ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى سِتَّةً فَحَيْضُهَا سِتَّةٌ وَكُلَّمَا عَاوَدَهَا الدَّمُ مَرَّتَيْنِ فَحَيْضُهَا ذَلِكَ وَمُرَادُهُ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتَاجَتْ إلَى الْبِنَاءِ وَهَذَا الْجَوَابُ وَهُوَ قَوْلُهُ حَيْضُهَا سِتَّةٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّمَا تَبْنِي عَلَى مَا رَأَتْ آخِرَ مَرَّةٍ لِأَنَّ عَادَتَهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْصُلُ انْتِقَالُ الْعَادَةِ بِمَا دُونَ الْمَرَّتَيْنِ لِيَتَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ فَسِتَّةٌ قَدْ رَأَتْهُ مَرَّتَيْنِ فَانْتَقَلَتْ إلَيْهَا وَالْيَوْمُ السَّابِعُ إنَّمَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهِ مَرَّةً فَلَمْ يَتَأَكَّدْ بِالتَّكْرَارِ وَالْبِنَاءُ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كُلَّمَا عَاوَدَهَا الدَّمُ مَرَّتَيْنِ فَحَيْضُهَا ذَلِكَ.
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسًا فَحَاضَتْهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَاوَدَهَا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ كُلَّهُ ثُمَّ انْقَطَعَ فَذَلِكَ كُلُّهُ حَيْضٌ وَلَا يُجْزِئُهَا صَوْمُهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي طَهُرَتْ فِيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ عِنْدَهُ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إذَا كَانَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا عِنْدَهُ وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الدَّمَ مُحِيطٌ بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ وَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهَا رَأَتْ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ وَزِيَادَةً وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَنَّ الدَّمَ غَالِبٌ عَلَى الطُّهْرِ فِي الْعَشَرَةِ فَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَحَيْضُهَا خَمْسَتُهَا لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا بَلَغَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِيرُ فَاصِلَا وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي بَيَانِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ (قَالَ) وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكَدِرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ الْخَالِصَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَا تَكُونُ الْكَدِرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَيْضَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الرَّحِمِ دُونَ الْخَارِجِ مِنْ الْعِرْقِ وَدَمُ الْحَيْضِ يَجْتَمِعُ فِي الطُّهْرِ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ يَخْرُجُ الصَّافِي مِنْهُ ثُمَّ الْكَدِرَةُ فَأَمَّا دَمُ الْعِرْقِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْكَدِرَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الصَّافِي وَمَنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ هَذَا فَلْيَنْظُرْ فِي حَالِ الْمُفْتَصَدِ فَإِذَا خَرَجَتْ الْكَدِرَةُ أَوَّلًا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا لَنَا عَلَى أَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الصَّافِي مِنْهُ أَوَّلًا ثُمَّ الْكَدِرَةُ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ الْكُلُّ حَيْضًا وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ بِالنَّصِّ هُوَ الْأَذَى الْمَرْئِيُّ مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَالْكُلُّ فِي صِفَةِ الْأَذَى سَوَاءٌ.
(قَالَ) وَأَلْوَانُ الدَّمِ سِتَّةٌ وَالْبَيَانُ الشَّافِي فِيهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.
وَإِنَّمَا قَالَ حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ الْخَالِصَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ بِالْكَرَاسِفِ إلَيْهَا لِتَنْظُرَهَا فَكَانَتْ إذَا رَأَتْ كَدِرَةً قَالَتْ: لَا حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ يَعْنِي الْبَيَاضَ الْخَالِصَ قِيلَ هُوَ بَيَاضُ الْخِرْقَةِ وَقِيلَ هُوَ شِبْهُ خَيْطٍ دَقِيقٍ أَبْيَضَ تَرَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْكُرْسُفِ إذَا طَهُرَتْ (قَالَ) فَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ حَيْضَتَانِ وَطُهْرَانِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ.
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ سُؤَالًا فَقَالَ: لَوْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً أَلَيْسَ قَدْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ: إذَا ضَمَمْت إلَيْهَا طُهْرًا آخَرَ كَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّهْرُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ (وَيَحْكِي) أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: إنِّي حِضْت فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِشُرَيْحٍ: مَاذَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً مِنْ بِطَانَتِهَا مِمَّنْ يُرْضَى بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ قُبِلَ مِنْهَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالون وَهِيَ بِلُغَةِ الرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَمُرَادُ شُرَيْحٍ مِنْ هَذَا تَحْقِيقُ نَفْيِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ ذَلِكَ وَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ (قَالَ) وَمَا رَأَتْ النُّفَسَاءُ مِنْ الدَّمِ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ تُصَلِّي فِيهَا وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ يَتَقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا عِنْدَنَا وَبَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ فَكَانَتْ الْأَرْبَعُونَ لِلنِّفَاسِ كَالْعَشَرَةِ لِلْحَيْضِ فَكَمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَشَرَةِ هُنَاكَ تَكُونُ اسْتِحَاضَةً فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ هَاهُنَا.
(قَالَ) وَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي أَقَلِّ النِّفَاسِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلدَّمِ الْخَارِجِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ بِهِ وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا طَهُرَتْ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ إيَّاهَا مَوْهُومَةٌ وَلَا يُتْرَكُ الْمَعْلُومُ بِالْمَوْهُومِ (قَالَ): فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَطَهُرَتْ فِي عِشْرِينَ يَوْمًا وَصَلَتْ وَصَامَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ لِأَنَّ صَاحِبَةَ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ كَصَاحِبَةِ الْعَادَةِ فِي الْحَيْضِ وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ مَتَى زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا وَتُجْعَلُ مُسْتَحَاضَةً فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ (قَالَ): وَلَا يُجْزِئُهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْهَا قَبْلَ الثَّلَاثِينَ قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ مُسْتَقِيمٌ وَعَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ وَهَذَا لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ كَمَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ فَيُمْكِنُ جَعْلُ الثَّلَاثِينَ نِفَاسًا لَهَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ خَتْمُهَا بِالطُّهْرِ وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ بِالطُّهْرِ فَنِفَاسُهَا عِنْدَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي بَعْدَ الْعِشْرِينَ (قَالَ) وَدَمُ الْحَامِلِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ حَيْضٌ فِي حُكْمِ تَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحُرْمَةُ الْقُرْبَانِ دُونَ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ قَالَ: لِأَنَّ الْحَامِلَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا صَغِيرَةٌ أَوْ آيِسَةٌ أَوْ ذَاتُ قُرْءٍ وَالْحَامِلُ لَيْسَتْ بِصَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ وَلِأَنَّ مَا يُنَافِي الْأَقْرَاءَ يُنَافِي الْحَبَلَ كَالصِّغَرِ وَالْيَأْسِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ رَأَتْ مِنْ الدَّمِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا جُعِلَ حَيْضًا لَهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ «قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: إذَا أَقْبَلَ قُرْؤُك فَدَعِي الصَّلَاةَ» إلَّا أَنَّا لَا نَجْعَلُ حَيْضَهَا مُعْتَبَرًا فِي حُكْمِ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ فِي حَقِّهَا وَهِيَ الْمَقْصُودُ بِأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهَا قَالَتْ: الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ سَمَاعًا ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَبِلَتْ انْسَدَّ فَمُ رَحِمِهَا فَلَا يَخْلُصُ شَيْءٌ إلَى رَحِمِهَا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَالدَّمُ الْمَرْئِيُّ لَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} قَالَتْ الصَّحَابَةُ: فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَنَزَلَ قَوْلُهُ {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ} فَقَالُوا: فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَنَزَلَ قَوْلُهُ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ «إذَا أَقْبَلَ قُرْؤُك» يَتَنَاوَلُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ (قَالَ) فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ فَالنِّفَاسُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ حَامِلٌ بَعْدُ.
وَالْحَامِلُ لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ كَمَا لَا تَحِيضُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حُكْمُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَلَدِ الْآخَرِ وَهُمَا يَقُولَانِ النِّفَاسُ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ بِالدَّمِ مِنْ خُرُوجِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الْوَلَدُ أَوْ مِنْ خُرُوجِ النَّفَسِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّمِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ وَقَدْ انْفَتَحَ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ بَعْدَهُ مِنْ الرَّحِمِ وَفِي حُكْمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْعِبْرَةُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْوَلَدِ الْآخَرِ (قَالَ) وَإِذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ وَالدَّمُ سَائِلٌ وَلَبِسَتْ خُفَّيْهَا فَلَهَا أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهِمَا مَا دَامَتْ فِي وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا (قَالَ) زُفَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَمْسَحُ كَمَالَ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
(قَالَ) وَإِذَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِذَهَابِ الْوَقْتِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَتْ الصَّلَاةَ وَإِذَا وَجَبَ بِسَيَلَانِ الدَّمِ بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا وَمَعْنَى هَذَا إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا حِينَ تَوَضَّأَتْ أَوْ سَالَ بَعْدَ الْوُضُوءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَقْبِلَ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَكِنْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهَا بِالدَّمِ السَّائِلِ مَقْرُونًا بِالطَّهَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وَقَدْ أَدَّتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّمِ وَأَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا فَأَمَّا إذَا تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَخَرَجَ الْوَقْتُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ قَبْلَ سَيَلَانِ الدَّمِ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتَوَضَّأُ وَتَبْنِي لِأَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالدَّمِ السَّائِلِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَبْنِيَ (قَالَ): وَصَاحِبُ الرُّعَافِ السَّائِلِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ.
(قَالَ): وَإِنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ فَتَوَضَّأَ لَهُ ثُمَّ سَالَ مِنْ الْمَنْخَرِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّهَارَةِ فَلَمْ تَقَعْ الطَّهَارَةُ لَهُ فَهُوَ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ سَوَاءٌ.
وَإِنْ كَانَ سَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَتَوَضَّأَ لَهُمَا ثُمَّ انْقَطَعَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ لِأَنَّ وُضُوءَهُ وَقَعَ لَهُمَا وَمَا بَقِيَ بَعْدَ انْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا حَدَثٌ كَامِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَوَضَّأَ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا لِوَاحِدٍ كَانَ يَتَقَدَّرُ وُضُوءَهُ بِالْوَقْتِ لِأَجْلِهِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْبَقَاءِ وَمَا انْقَطَعَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ صَاحِبِ الْقُرُوحِ إذَا كَانَ الْبَعْضُ سَائِلًا ثُمَّ سَالَ مِنْ آخَرَ أَوْ كَانَ الْكُلُّ سَائِلًا فَانْقَطَعَ السَّيَلَانُ عَنْ الْبَعْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.